تنتهي الأسبوع المقبل الهدنة المقترحة من قبل الأمم المتحدة في اليمن.
هذه الهدنة التي أوقفت تصاعد الحرب إلى حد كبير وإن لم تطفئ نيرانها، لكنها أوجدت مناخاً إيجابياً يمكن البناء عليه إذا ماصمدت، وجرى تحقيق خطوات جادة عليها من شأنها بناء جسور الثقة المنعدمة الآن.
والهدنة المؤقتة الشاملة التي دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 2/4/2022، وتستمر حتى 2/6/2022، هي هدنة قابلة للتمديد بموافقة الأطراف المعنية، ومن شأنها أن تقود آفاق العملية السياسية اليمنية إلى مفترق طرق واضحة، إما تعزيز بناء الثقة وتحقيق اختراقات إيجابية من شأنها التمهيد لعملية سياسية شاملة، أو العودة إلى التصعيد العسكري الواسع.
ويبدو أن خطاب العالم من قوى دولية وأمم متحدة وإقليم عربي يقوده التحالف العربي الداعم لعودة مؤسسات الشرعية في اليمن، خطاب متمسك بإيجاد آفاق السلام الذي انتظره اليمن طويلاً عزز من قوة هذا التوجه الدولي رغبة واضحة لدى جبهة الحكومة الشرعية في اليمن باستعادة السلام وإن وصلت حسب ما يصفه منتقدوها إلى تقديم تنازلات كبرى مؤلمة أمام الميليشيات الحوثية المتعنتة.
ويطرح أنصار اتجاه دعم الحكومة نحو حل القضية اليمنية بالطرق السلمية رؤية معلنة، يمكن اختصارها بـ (الهجوم بالسلام)، حيث يكون تقديم أكبر قدر من الخطوات الجادة التي تعزز السلم وتفتح آفاق أمل لدى الناس الذين أرهقتهم حرب السنوات الثمانى، في مقابل ذلك ترى ميليشيات الحوثي أن ذلك مرده إلى مكاسب عسكرية حققتها هي على الأرض منذ انقلابها على المؤسسات الشرعية في 21 سبتمبر 2014، وليس حرصاً حكومياً وقلقاً عالميا.
لكن رد الكثير في الطرف المقابل، أن الكل أصبح يخوض حرباً (المنتصر فيها مهزوم)، وبالتالي لا مفك من الضغط نحو السلام بالقوة، وأن منطق المسئولية يحتم التضحيات من أجل وقف الانهيار ووقف الفوضى، خاصة أن اليمن مقبل على كارثة مجاعة حقيقية مع تفاقم الأزمات العالمية، وتراجع مستوى الدعم الإقليمي والاهتمام العالمي.
ويرى خبراء الاقتصاد أن ما أحدثته فوضى الميليشيات في صنعاء وعززه أمراء حرب كُثر على مستوى الجبهة الاقتصادية والعبث بالعملة الوطنية، وإفقار الناس ومصادرة الحقوق والممتلكات والتي امتدت إلى أن جرفت ميليشيات الحوثى كل الاحتياطي النقدي ومدخرات صناديق الضمان والاوعية المالية المختلفة، بل ورواتب الموظفين لأكثر من سبع سنوات، هي كارثة لا تحظى بأي اهتمام ولا تجد من يُعمل العقل لحلها. لذا تكون خطوة وقف الحرب والشروع بخطوات الهدنة وبناء الثقة مقدمات أساسية لمعالجة حالة انهيار صعبة يعيشها البلد الكبير والمهم في الركن القصي من الجزيرة العربية.
ولكن نجاح تلك الخطوات محكوم بمدى تقبل الحوثي للعملية التي يدرك هو قبل غيره أنها تخرجه من دائرة الكسب على حساب الشعب، فالسلام له متطلبات أصعب من الحرب، أول ذلك الاحتكام للدولة ومؤسساتها الديمقراطية، والقبول بالآخر، ووقف النهب وإنهاء الفوضى، وكل ذلك يقتل ميليشيا التمرد وضد رغبات أمراء الحرب.
وخلال الشهر الأول من الهدنة حققت الحكومة الشرعية كل المطلوب لإنجاح خطوات الهدنة من ضخ سفن النفط والغاز والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة ومناطق سيطرة الحوثي، وإعادة الرحلات من وإلى مطار صنعاء، بل وتحمل مخاطر جوازات السفر غير القانونية والعمل على حلها لتسهيل نقل المواطنين، وأسقط الأمر بيد الحوثى الذي لم يجد حجة لإسقاط الهدنة، ورغم التصعيد الذي شمل جبهات عدة فإن الناس أصرت على المضي قدما.
والآن ينتظر اليمنيون ومعهم العالم خطوة واحدة من جانب الحوثيين فقط وهي فتحه الطوق عن مدينة تعز المحاصرة من قبله منذ سبع سنوات، وتسليم خرائط الألغام التي وضعها في الطرق والمعابر حول تعز ومدن يمنية أخرى، لتعود حركة انتقال المواطنين داخل وبين المدن.
وحتى الآن ورغم مضي معظم مدة الهدنة لم تقم ميليشيات الحوثى بخطوة واحدة تجاه تعز،بل وظهر خطاب حوثي أكثر تشددا يشي بروح من العنصرية العجيبة مفاده أنه يمكن إشعال ما تبقى من وطن منهار ولا تعود طرق تعز الحيوية.!. وربما مرد ذلك ليس فقط بواعث ذاك الصراع التاريخي في اليمن القائم على المذهبية المجغرفة فقط، بقدر ما تشكل حالة تعز في اليمن عصب عودة الحياة الطبيعية، وترسيخ مسار جاد للسلام. وبحكم موقع المدينة الرابط بين شمال اليمن وجنوبه تسقط كثير من المشروعات الصغيرة التي تعيش على الحرب، وتنمو على خراب الشعوب ولا تجيد غير الفوضى، حيث تفرض تعز من خلال موقعها الجغرافي وسط اليمن وثقلها السكاني بملايينها الأربعة وأكثر، وقدرتها الاقتصادية منطق ضرورة عودة الدولة ومؤسساتها الديمقراطية، وضرورة العودة إلى آفاق الحل السلمي القائم على القبول بالآخر واحترام التنوع الذي يزخر به اليمن، وتلك هي مشكلة تعز ومعضلتها مع كل منعطف، فمنها انفجر غضب الثورة وإليها تعود سبل صنع الاستقرار وبناء التلاحم.
ولن يكون هناك عمل ملموس للهدنة المهددة الآن إلا بفتح ثغرة في جدار الحصار الصعب، وتلك مهمة كل القوى السياسية والداعمة لعودة اليمن واستقراره، وما عداه سيبقى هدنات زائفة تمهد لمواجهات مؤلمة أخرى لا أكثر.
نقلاً عن جريدة الأهرام المصرية